من تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها، علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما؟ وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه ؟
وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كل وقت وعبودية الجوارح تجب في وقت دون وقت.
فأردنا في هذا الكتاب أن نطالع بعض معالم تلك العبودية ، و نتعرف على أقسامها، وأنواعها، وثمراتها في الدنيا، مع حسن الجزاء المترتب عليها في الآخرة.
والقلب مُضغةٌ في الجسد، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.
وهو أمير الأعضاء وسيدها، وراعيها، وقائدها، فلا تصدر إلا عن أمره، وكلها تحت سلطانه وقهره، متى اهتدى اهتدت، فنجى ونجت ومتى زاغ زاغت فهلك وهلكت .
فعلى المسلم أن يراعي هذا الأصل في أقواله وأفعاله، وحركاته، وسكناته، وخطرات قلبه، وما يحب، وما يكره وما يرجو، ويتمنى، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
نسأل الله أن ينير قلوبنا بالتقوى، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا.